مقدمة: العدالة أساس تقدم المجتمعات

بداية .. نؤكد علي أن العدالة بين أفراد المجتمع الواحد هي من أهم معايير قياس مستوي تقدم الشعوب والدول. الإمارات العربية المتحدة تولي اهتمامًا كبيرًا بتحقيق مبدأ العدالة. تستخدم منظومة تشريعية متكاملة لضمان هذه العدالة لكل فرد في المجتمع، مع التركيز على ” الاختصاص الولائي للمحاكم بدولة الإمارات العربية المتحدة ” كجزء أساسي من هذه المنظومة.

أهمية الاختصاص الولائي في نظام العدالة بالإمارات

دولة الإمارات تعتبر نفسها مثالًا متميزًا في ترسيخ العدل والعدالة. ولذلك تجذرت في الثقافات القديمة – مقولة – قليلة الكلمات عظيمة المعني بالغة الأثر، وهي ( “العدل أساس المُلك” ). وكعادتها دائمًا .. كانت دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة الدول التي جعلت العدل والعدالة ركنًا ركينًا من أركانها ولم تألو جهدًا في سبيل تحقيق ذلك الركن العظيم فوضعت منظومة متكاملة من القوانين والتشريعات الاتحادية تتناغم في مقاصدها مع التشريعات المحلية لكل إمارة من إمارات الاتحاد، مما كان له عظيم الأثر في ترسيخ ذلك الشعار العظيم “العدل أساس المُلك” .. فبات الناس – كل الناس – آمنين مطمئنين ، فاستحقت أن تكون في طليعة الدول العصرية المتقدمة علي صعيد النصوص القانونية، وكذلك إجراءات التقاضي. التي ترسم للافراد طريق حماية حقوقهم والحصول عليها.

دور الدستور والتشريعات في تعزيز الاختصاص الولائي

هــذا .. وقد فطنت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ النشأة الأولي إلي أن وسيلة الوصول إلي ذلك الهدف النبيل، هو سيادة حكم القانون، واستقلال القضاء، بصفته السلطة التي تقوم بتطبيق حكم القانون فيما يعرض عليها من نزاعات و دعاوي.

هــذا .. ولئن كان من المستقر عليه أن ولاية الفصل في الدعاوي موكولة إلي المحاكم داخل الدولة وفق الهيكل القانوني للنظام القضائي داخل الدولة، وكذا داخل الإمارات كل علي حدة وفق نظامها القضائي، فقد جعل المشرع الاختصاص الولائي بالفصل في القضايا من النظام العام واعتبرها دائمًا مسألة مطروحة علي المحكمة. عند نظر الدعوى وتقضي فيها المحكمة من تلقاء نفسها.

وحيث أن دستور دولة الإمارات العربية المتحدة قد عني بالنظام القضائي بالدولة، وأوضح أن هناك قضاء اتحادي وقضاء محلي، ونص علي أن تتولي الهيئات القضائية المحلية في كل إمارة جميع المسائل القضائية التي لم يعهد بها للقضاء الاتحادي بمقتضي الدستور.

محاكم مركز دبي المالي العالمي: نموذج للتميز في الاختصاص الولائي

الدستور يمنح حكام الإمارات الحق في إنشاء هيئات قضائية خاصة. استنادًا إلى ذلك، أصدر حاكم دبي قانون رقم 12 لسنة 2004، الخاص بمحاكم مركز دبي المالي العالمي. هذا القانون نص على إنشاء محاكم مركز دبي المالي العالمي وحدد اختصاصات تلك المحاكم كالتالي:

  • الدعاوي والمنازعات المدنية أو التجارية التي يكون المركز أو أي من هيئات المركز أو مؤسساته طرفًا فيها.
  • الدعاوي والمنازعات المدنية أو التجارية الناشئة عن أو المتعلقة بعقد تم تنفيذه أو معاملة تم إجراءها كليًا أو جزئيًا في المركز أو بواقعة حدثت بالمركز.
  • الطعون التي تقدم ضد القرارات الصادرة عن هيئات المركز والتي تكون قابلة للطعن بموجب قوانين المركز وأنظمته.
  • أي طلب تكون للمحاكم صلاحية النظر فيه بموجب قوانين المركز وأنظمته.

التطورات القضائية في الاختصاص الولائي: من النزاع إلى التوحيد

تباينت الآراء حول جواز الاتفاق على اختصاص المحاكم بين الأفراد في حالة نشوء نزاعات.

الرأي الأول يرفض هذه الاتفاقات إذا خالفت قواعد الاختصاص الولائي. الرأي الثاني: تمثل في جواز مثل هذا الاتفاق والأخذ به عملاً بمبدأ سلطان الإرادة.

في هذا السياق، بادرت هيئة توحيد المبادئ القضائية، التي تجمع بين السلطات القضائية الاتحادية والمحلية، بمعالجة هذه المسألة الحساسة. وفي جلستها المنعقدة بتاريخ 21 ديسمبر 2023، أصدرت قرارًا حاسمًا يمنع الاتفاق على مخالفة الاختصاص الولائي للمحاكم. هذا القرار يستند إلى أن توزيع الاختصاص بين المحاكم يعتبر من النظام العام، ولا يمكن للأفراد مخالفته بالاتفاق. كما أوضح القرار أن تطبيق نص المادة 5/33 من قانون الإجراءات المدنية الاتحادي، المعدل بالمرسوم رقم 2022/42 حول الاختصاص المحلي، يخضع لقيود معينة. يجب مراعاة الاختصاص الولائي المتعلق بالنظام العام، وإلا قد يؤدي ذلك إلى نقل الخصوم إلى محكمة غير مختصة. هذا يعرقل توزيع ولاية القضاء ويزيد العبء على المحاكم بقضايا خارج اختصاصها.

خاتمة: مستقبل العدالة والاختصاص الولائي في الإمارات

وتطبيقًا لهذا القضاء الحاسم في موضوع الاختصاص الولائي للمحاكم بدولة الإمارات العربية المتحدة، فقد تحصل مكتب خير الله للمحاماة والاستشارات القانونية على حكم من محكمة استئناف دبي الموقرة لصالح أحد موكليه. هذا الحكم يُبرهن على أهمية الالتزام بقوانين الاختصاص الولائي، معززًا ثقة المجتمع والمؤسسات القانونية في النظام القضائي الإماراتي.

ندعو الله أن يديم على دولة الإمارات العربية المتحدة نعمة الأمن والاستقرار والعدل بين الأفراد. إنه نعم المولى ونعم المجيب.

الأستاذة جوسلين خيرالله