- بادئ ذي بدء .. نُعرف جريمة غسيل الأموال أو (تبييض الأموال)، بأنها مجموعة عمليات مالية تهدف إلي إخفاء المصدر غير المشروع للأموال وإظهارها في صورة أموال متحصلة من مصدر مشروع، علي خلاف الحقيقة، وخلف كل واقعة غسيل أموال تُكشف للسلطات المسئولة ، تنضوي جريمة أو جرائم أخرى، قد تكون مخفية أو غير مكتشفة، ومن ثم فإن جريمة غسيل الأموال، ترقي إلي مستوي الجريمة المنظمة، حصل من خلالها المجرمون علي أموال، يحاولون أن يدخلوها في النظام العام الرسمي للدولة المستهدفة بعمليات تهدف لإخفاء مصدرها، ومن ثم إضفاء صفة المشروعية عليها.
ومن ثم فإن جريمة غسل الأموال هي فعل لا أخلاقي وترتبط بجرائم أخرى، تدمر الإنسان والمجتمعات – كتجارة المخدرات أو السلاح أو الاتجار بالبشر .. وخلافه – وذلك بحسب تصنيف مجموعة العمل المالي الدولية.
وفضلاً عما تمثله الجريمة المذكورة من عمل لا أخلاقي، فإنها أيضًا ذات تأثير سلبي شديد علي اقتصاد الدول، إذ تؤدي إلي انخفاض معدلات النمو الحقيقي وزعزعة النظام المالي والمصرفي وعدم استقرار الأسعار وما يترتب عليه من انخفاض الإنتاج القومي، وانعدام التنافسية بين الشركات الفاعلة .. إلخ، وبالنتيجة يترتب التأثير السلبي الشديد على الاقتصاد العام للدولة.
- ونظرًا للمخاطر والمثالب المترتبة علي تلك الجريمة، فقد تصدت دولة الإمارات العربية المتحدة لتلك الجريمة، وكانت سباقة في بناء منظومة متكاملة من القوانين لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، ومن أبرز ما تم سَنّهُ وتشريعهُ في هذا الصدد، المرسوم بقانون اتحادي رقم 20 لسنة 2018 في شأن مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب والتنظيمات غير المشروعة، وكذلك ما انبثق عن المرسوم بقانون المذكور من قرارات ولوائح تنفيذية وتنظيمية، فضلاً عن تطوير الأنظمة الإلكترونية التي تضمن تنفيذ القانون وتحقيق الرقابة وفق أفضل المعايير الدولية.
ومن ثم فإن من واجب القطاع الشعبي أن يتفاعل مع الجهود الحكومية ويقف مع السلطة الحاكمة صفًا واحدًا لمجابهة ومكافحة تلك الجريمة النكراء.
- وقد قامت الدولة ممثلة في وزارة الاقتصاد بتطوير وحدات إدارية متخصصة ضمن إدارة غسل الأموال بالوزارة، تُعني بالتفتيش والرقابة علي قطاع الأعمال والمهن غير المالية، ومنها قطاع الوكلاء والوسطاء العقاريين وتجار المعادن الثمينة ومدققي الحسابات .. إلخ.
كما اشترطت السلطات المسئولة متطلبات وشروط يتوجب على المنشآت تطبيقها والالتزام بها حتى يتسني للدولة رقابة تلك المنشآت والأنشطة.
- كما صدر كذلك المرسوم بقانون اتحادي رقم 20 لسنة 2018، وقد عني بتعريف الجريمة وعناصرها وبين أركانها وأوصافها، وكذلك الجرائم المرتبطة بها.
وأعطي المرسوم بقانون المذكور الصلاحيات الممكنة للنيابة العامة من تلقاء نفسها أو بناءً علي طلب جهات إنفاذ القانون عند وجود دلائل كافية بوقوع الجريمة إصدار القرارات اللازمة نحو إقامة الدعوى الجزائية تجاه مرتكب الجريمة، وكذا إصدار القرارات واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المعلومات الاستخباراتية وحماية المصادر السرية الكاشفة للجريمة.
كما أنشأت بموجب المرسوم بقانون المشار إليه ما سُمي باللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، والتي تختص بوضع وتطوير إستراتيجية وطنية لمكافحة الجريمة، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية.
كما منح المرسوم بقانون المذكور الجهات الرقابية بالدولة كلٌ بحسب اختصاصه مهام الإشراف والرقابة والمتابعة لضمان الالتزام بالأحكام المنصوص عليها بالقانون المذكور ولائحته التنفيذية.
- ثم أورد المشرع بالمرسوم بقانون سالف الذكر تفصيلاً العقوبات المقررة عند ارتكاب المجرم لجريمته والتي تضمن عقابًا سالبًا للحرية، وكذلك الغرامة المالية، حيث نص علي عقاب المجرم بالحبس لمدة لا تزيد عن 10 سنوات [عشرة سنوات] وغرامة لا تقل عن 100.000 درهمًا [مائة ألف درهمًا] ولا تزيد على 5.000.000 درهمًا [خمسة ملايين درهمًا] أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وغلظ القانون العقاب وجعله بين السجن المؤقت والغرامة التي لا تقل عن 300.000 درهمًا [ثلاثمائة ألف درهمًا] ولا تزيد عن 10.000.000 درهمًا [عشرة ملايين درهمًا] في حالات معينة، منها – استغلال المتهم لنفوذه أو سلطاته المخولة له بموجب وظيفته – وكذا إذا ارتكبت الجريمة من خلال جمعية غير هادفة للربح، وكذا ارتكاب الجريمة من خلال جماعة إجرامية منظمة وأخيرًا في حالة العود للجريمة.
ليس هذا فقط .. بل عاقب المشرع كذلك على حالة الشروع في الجريمة، ونظرًا لخطورة الجريمة المذكورة، فقد نص المرسوم بقانون المذكور علي أن هذه الجريمة – لا تنقضي بمضي المدة ولا تسقط بالتقادم – وكذا العقوبة الصادرة بحق المتهم عند ثبوت الاتهام، فإن العقوبة الصادرة بشأنها لا تنقضي بمضي المدة، وكذا الدعاوي المدنية الناشئة عنها أو المرتبطة بها.
ومن ثم ومن خلال ما سلف بيانه فإننا نقف مع دولتنا الرشيدة صفًا واحدًا، ونهيب بكل طوائف المجتمع ومكوناته، عدم ولوج طريق الجريمة المذكورة، حفاظًا علي البلاد والعباد من عبث العابثين بمقدرات دولتنا الرشيدة ،،
حفظ الله سمو حاكم الدولة المفدى ..
وحفظ الله دولة الإمارات العربية المتحدة ..